اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 253
النفوس الميتة بالجهل الجبلي اليابسة التي لا ينبت فيها نبات العلوم اللدنية مطلقا فاجرينا فيها منها انهار المعارف وجداول الحقائق المنتشئة من قلوب الأنبياء والأولياء المكملين فأخرجنا بها ثمرات اليقين العلمي والعيني والحقي نُخْرِجُ الْمَوْتى في النشأة الاخرى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فتعرفون قدرتنا على عموم مقدوراتنا ومراداتنا
وَبعد سوقنا مياه جودنا الى أموات الْبَلَدُ الطَّيِّبُ الذي هو نجيب المنبت لطيف الطينة قابل التربية يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ اى بتوفيقه سبحانه وبمقتضى تربيته جيدا نافعا كثيرا بمقتضى استعداده الفطري وَالبلد الَّذِي خَبُثَ طينته وقلت قابليته كالحرة والسبخة لا يَخْرُجُ نباته بعد اجراء المياه اللطيفة عليه إِلَّا نَكِداً قليلا غير نافع بل ضار مؤلم كالنفوس المنهمكة في الغي والضلال الى حيث لا يؤثر فيها مياه الحكم والمعارف الجارية على السنة الرسل لخباثة طينتها وقلة قابليتها كَذلِكَ نُصَرِّفُ نردد ونكرر الْآياتِ الدالة على استقلالنا في ملكنا وملكوتنا لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ بنعمائنا ويتفكرون في آلائنا ويعتبرون بها الى ان يستغرقوا في مطالعة جمالنا ثم أشار سبحانه الى تفاوت الاستعدادات واختلاف القابليات بتفصيل الأمم الهالكة بموت الجهل والعناد وخبث طينتهم وردائة فطرتهم
فقال مقسما والله لَقَدْ أَرْسَلْنا رسولنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ بعد ما انصرفوا عن جادة التوحيد وانحرفوا عن طريق الحق بالميل الى الأهواء الباطلة والآراء الفاسدة فَقالَ لهم نوح عليه السّلام امحاضا للنصح على وجه الشفقة والنصيحة يا قَوْمِ اعْبُدُوا ايها المنهمكون في الغفلة اللَّهَ المتوحد في الألوهية المتفرد بالربوبية المستحق للعبودية واعلموا انه ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ يعبد بالحق غَيْرُهُ ينقذكم من عذابه فان لم تعبدوه ولم توحدوه إِنِّي بعد ما اوحى الى هدايتكم وتنبيهكم على توحيده أَخافُ ان لم تقبلوا منى ان ينزل عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ هو يوم الطوفان في النشأة الاولى ويوم القيمة في النشأة الاخرى وبعد ما سمعوا منه مقالته
قالَ الْمَلَأُ الأشراف مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ يا نوح فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ظاهر لائح تأمرنا أنت بترك عبادة الآلهة المحققة الموجودة بين أظهرنا وتدعونا الى عبادة اله واحد موهوم ابدعته من عند نفسك افتراء ومراء
قالَ ايضا على مقتضى شفقة النبوة لعلهم يتنبهون يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ كما زعمتم من جهلكم وَلكِنِّي رَسُولٌ هاد لكم مرسل إليكم مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ الذي أوجدكم ورباكم بأنواع التربية حتى تعترفوا بربوبيته وتقروا بتوحيده
وانما جئت لكم أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ بآياته وتذكيراته سبحانه حتى تفوزوا من عنده بالمثوبة العظمى والمرتبة العليا بهدايتى وإرشادي وَلا تضعفونى ولا تنسبونى الى الجهل والسفه انى أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ الحكيم العليم بمقتضى توفيقه على وحيه الى ما لا تَعْلَمُونَ أنتم منه سبحانه ذلك
أَكذبتموني وانكرتمونى وَعَجِبْتُمْ من أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ موعظة وتذكير لإرشادكم ناش مِنْ رَبِّكُمْ عَلى لسان رَجُلٍ مؤيد من عند الله مستحدث مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ به عن الكفر وعموم المعاصي ووخامة عاقبتهما وَلِتَتَّقُوا عن محارم الله بسبب إنذاره وتخويفه وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ بإتيان مأموراته وترك منهياته عناية وتفضلا
فَكَذَّبُوهُ بعد ما ضعفوه ونسبوه الى الضلال والجنون فانتقمنا منهم وأخذناهم بالطوفان فَأَنْجَيْناهُ وَالمؤمنين الَّذِينَ مَعَهُ داخلين فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا المنزلة على رسولنا وبالجملة إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ غير مستبصرين بآيات الله الدالة على توحيده لقساوة قلوبهم وشدة عمههم
اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 253